نحو تعليم تفاعلي إلكتروني

نحنحو تعليم تفاعلي إلكتروني

نظريات التعلم


 

 

نظريات التعلم


 


النَّظرية:

هيَ عبارةٌ عن مجموعة من البناءات والافتراضات المترابطة التي توضح العلاقات القائمة بين عددٍ من المتغيرات وتهدف إلى تفسير ظاهرة والتنبؤ بها. (تعريف كيرلنجر- Kerlinger).

 

 

نظريات التعلم:

نظريات التعلم والتعليم هي مجموعة من النظريات التي تم وضعها في بدايات القرن العشرين الميلادي وبقي العمل على تطويرها حتى وقتنا الراهن وأول المدارس الفلسفية التي اهتمت بنظريات التعلم والتعليم كانت المدرسة السلوكية رغم أن بوادر نظريات مشابهة بُدأ العمل بها في المرحلة ما قبل السلوكية.[1]

 

هي النظريات التي تفسر لنا الطريقة التي يتعلم بها الإنسان – الطفل – الشاب – الكهل ...

- الطريقة التي يستدخل بها المعارف ويستدمجها ضمن بنيته الذهنية والوجدانية، أي نعم إن للوجدان مدخلا في التعليم والتعلم.

- الطريقة التي يعالج بها ما استدخله الطفل مثلا من معلومات ومهارات...

- الطريقة والأسلوب الذي يُفسر به تعلم الناس.

- هل نتعلم من خلال المثير والاستجابة؟ أو نتعلم بالمنطق الكلي (من الكل إلى مجموعة الأجزاء) ؟ أو نتعلم م خلال بناء المعرفة والتكيف معها (التوازن) وفقا للمرحلة العمرية والخصائص النمائية؟ أو نتعلم من خلال الاندماج الاجتماعي والعلاقات التي تربط بالمعلم بالمتعلم ؟؟

- يعني هناك تفسيرات متعددة للطريقة التي يتلقى ويستوعب ويفهم ويتعلم بها الإنسان (الطفل)، وهي طرائق ونظريات متكاملة إجمالا، وقد تتناقض في بعض التفاصيل، ولكنها مقاربات تفسيرية.     

 

وقد، لا يفيد في هذا المجال مجرد الاطلاع العرضي الشكلي، بل لابد من محاولة الاستفادة العميقة والدقيقة بمجمل المعطيات العلمية التي توافرت إلى الآن.

- المعلم في حاجة إلى فهم طرق ونظريات التعلم التي تقارب المنهج والأسلوب الذي يتعلم به الإنسان (الطفل / الشاب)، يلم بها نظريا ويمارسها عمليا في الفصل الدراسي.

- إذا تعلم الأمر بمنهج تعليم الأطفال الصغار فهي البيداغوجيا أما إن تعلق الأمر بالكبار فهي الأندراغوجيا.

- طريقة وأسلوب تلقي الطفل تختلف عن طريقة وأسلوب تلقي الكبير والكهل أو الشيخ ... الميكانيزم مختلف بالنظر للسن والتجربة وعوامل أخرى.

 

 

نظريات التعلم إذن، هي مجموعة متنوعة من الدراسات والأبحاث السيكولوجية، على الخصوص، والتي استطاعت أن تفهم وتفسر العديد من الآليات المختلفة التي تتدخل، بهذا القدر أو ذاك، في حدوث التعلم.

 

نظريات التعلم

سنتطرق، بنوع من التركيز إلى أهم نظريات التعلم، وخصوصا منها المدرسة السلوكية، والمدرسة الجشطالتية، والمدرسة البنائية، والمدرسة السوسيو بنائية ...

 

1- نظرية التعلم السلوكية:

   تأثرت المدرسة السلوكية، وخصوصا مع واطسون، بأفكار تورندياك الذي يرى بأن التعلم هو عملية إنشاء روابط أو علاقات في الجهاز العصبي بين الأعصاب الداخلية التي يثيرها المنبه المثير، والأعصاب الحركية التي تنبه العضلات فتعطي بذلك استجابات الحركة.

واعتقد بأن قوانين آلية التعلم يمكن أن ترد إلى قانونين أساسين:

 - قانون المران (أو التدريب)، أي أن الروابط تقوى بالاستعمال وتضعف بالإغفال المتواصل؛

 -  ثم قانون الأثر، الذي يعني بأن هذه الروابط تقوى وتكتسب ميزة على غيرها وتؤدي إلى صدور رضى عن الموقف إذا كانت نتائجه إيجابية.

 

كما أنه من بين ملهمي المدرسة السلوكية (بافلوف)، الذي لاحظ أنه كلما اقترن المثير الشرطي بالدافع السيكولوجي إلا وتكونت الاستجابة الشرطية الانفعالية، ورأى بأن المثيرات الشرطية المنفرة تشكل عوائق حاسمة للتعلم وانبناء الاستجابات النمطية.

 

وأهم المفاهيم التي يمكننا أن نجدها في النظرية الإجرائية في التعلم، وخصوصا مع (سكينر) هي:

 - مفهوم السلوك: وهو حسب (سكينر)، مجموعة استجابات ناتجة عن مثيرات المحيط الخارجي طبيعيا كان أو اجتماعيا؛ مفهوم المثير والاستجابة : بحيث إن هناك علاقة شبه ميكانيكية بين المثيرات والاستجابات التي تصدر عن الكائن الإنساني؛ مفهوم الإجراء: السلوك الإجرائي أو الفاعل يسمى كذلك بالنظر إلى آثاره الملموسة في المحيط البيئي.

- مفهوم الإشتراط الإجرائي: الإشراط الإجرائي ينبني على أساس إفراز الاستجابة لمثير آخر؛

- مفهوم التعزيز والعقاب: أي استعمال التعزيز الإيجابي لبناء السلوكات المرغوب فيها.

واستعمال العقاب لدرء السلوكات غير المرغوب فيها؛

- مفهوم التعلم: وهو حسب هذه المدرسة. عملية تغير شبه دائمة في سلوك الفرد ينشأ نتيجة الممارسة ويظهر في تغير الأداء لدى الكائن الحي.

 

والتعلم حسب (سكينر) هو:

 (انبناء الاستجابات السلوكية كأنماط تغير طارئة على سلوك الفرد والتي يمكن أن تدوم بفعل الإشراط الإجرائي).

 

ويمكننا أن نحصر مبادئ التعلم حسب النظرية الإجرائية (السلوكية) في:

- التعلم هو نتاج للعلاقة بين تجارب المتعلم والتغير في استجاباته؛

- التعلم يقترن بالنتائج ومفهوم التعزيز؛

- التعلم يقترن بالسلوك الإجرائي المراد بناؤه؛

- التعلم يبنى بتعزيز الأداءات القريبة من السلوك النمطي؛

- التعلم المقترن بالعقاب تعلم سلبي.

 

ومن أهم تجليات نظرية التعلم السلوكية في الحقل التربوي ما يلي:

 - بناء المواقف التعليمية ـ

- التعلمية هو أولا تحديد مقاطع الاستجابات الإجرائية وضبط صيغ الدعم المباشر حيث نجد بعد المضمون المعرفي الذي يخضع  لمحددات:

- محدد الإثارة،

- ومحدد العرض النسقي للمادة،

- ومحدد التناسب والتكيف،

- ومحدد التعزيز الفوري؛

- ثم بعد انبناء السلوكات الإجرائية كهدف للتعلم، حيث تكون هذه السلوكات قابلة للملاحظة والضبط والقياس.

 

إن هذه المبادئ والمفاهيم حول التعلم، كما صاغتها المدرسة السلوكية، سنجد صداها التطبيقي في بيداغوجيا الأهداف:

 (تعتبر بيداغوجيا الأهداف بيداغوجيا متجاوزة في المغرب حيث استعيض عنها بالتدريس بالكفايات والوضعيات، ويشار إلى أن الكفايات امتداد للأهداف ... لذلك نتحدث عن الأهداف الكفائية التي تخدم الكفاية المرجو تحقيقها في وحدة أو مجرزوءة).

 

مدلول التعلم في نظريات الاشراط (السلوكية):

فلا يمكن الحديث، لديها، عن التعلم إلا عن السلوكات الملموسة والقابلة للملاحظة ولا مجال للحديث عن  المشاعر والأحاسيس لأنها غير قابلة للقياس.

و لا مكان لما يسمى بالسيرورات أو العمليات الذهنية.

 

- بالنسبة لـ (تورندايك) يتمثل في حدوث علاقة رابطة بين مثير واستجابة  مرغوب فيها (سلوك منتظر).

 

و تعتمد قوة التعلم على قوة الارتباط القائم بين المثير والاستجابة:

تثبت الاستجابة أو تضعف تبعا لطبيعة الجزاء الإيجابي أو السلبي الناجم عنها أو عن أدائها (التعزيز الإيجابي أو السلبي)

- التعزيز الإيجابي كأحسنت – أصبت – كانت إجابتك موفقة – رائع – ممتاز – حسن جدا ...

- العزيز السلبي، كقولنا كنت مجانبا للصواب لم تتوفق أخطأت، أعد المحاولة مرة ثانية لأنها غير سليمة ...

 

- بالنسبة لـ (واطسون) ( 1878-1958 ) كل السلوكات قابلة للتعلم بواسطة عملية الإشراط سواء تعلق الأمر بالسلوكات اللغوية أو الانفعالية أو الحركية.

و من تم لابد من ترجمته المنتوجات المنتظرة من التعلم إلى سلوكات وفقط إلى سلوكات.

مثير -------------- تعزيز ------------- استجابة.

 

محددات المدرسة السلوكية:

محدد الإثارة

محدد التناسب والتكيف

محدد التعزيز الفوري

 لابد للمضمون معرفي الذي يقدم للتلميذ أن تتوفر فيه شروط قادرة على اثارة الاهتمام والميولات والحوافز.

محدد العرض النسقي للمادة، ومعناه تفكيك وتقسيم المادة وفق وقائع ومعطيات، مع ضبط العلاقات بين مكوناتها، ثم تقديمها وفق تسلسل متدرج ومتكامل.

إن المادة المقدمة للتلميذ يجب أن تتناسب ومستوى نموه من جميع النواحي.

كلما تم تعزيز الاستجابات الإجرائية الإيجابية عند المتعلم كلما وقع التعلم بسرعة أكبر.

  من خلال تجارب ثورندايك يبدو أن تلقي التحسينات والمكافآت بصفة عامة يدعم السلوك ويثبته، في حين أن العقاب فينتقص من الاستجابة وبالتالي من تدعيم وتثبيث السلوك.

 

 

2- نظرية التعلم الجشطالتية (نظرية التعلم الكلي).     

مع الحرب العالمية الثانية، كانت نظرية الجشتالت Gestalt قد تبلورت بصورة كاملة على يد كل من فرتايمر Wertheimer وكوفكا Kofka وكوهلر Kohler  الـمنتمين جميعهم إلى ما يسمى بمدرسة برلين.

 

يمكن تحديد أهم مفاهيم الجشطالتية في:

مفهوم الجشطلت:

-  دلاليا يعني الشكل أو الصيغة أو الهيئة أو المجال الكلي،

- والجشطلت حسب فريتمر هو كل مترابط الأجزاء باتساق وانتظام، حيث تكون الأجزاء المكونة له في ترابط دنيا هي فيما بينها من جهة، ومع الكل ذاته من جهة أخرى؛ فكل عنصر أو جزء في الجشطلت له مكانته ودوره ووظيفته التي تتطلبها طبيعة الكل.

- مفهوم البنية: تتشكل البنية من العناصر المرتبطة بقوانين داخلية تحكمها ديناميا ووظيفيا، بحيث إن كل تغيير في عنصر يؤدي إلى تغيير البنية ككل وعلى أشكال اشتغالها وتمظهراتها.

- مفهوم الاستبصار: الاستبصار هو لحظة الإدراك المتدبر التحليلي الذي يصل بالمتعلم إلى اكتساب الفهم، أي فهم مختلف أبعاد الجشطلت.

- مفهوم التنظيم: التعلم هو عملية الكشف عن الصيغ التنظيمية التي تحكم بنية الجشطلت.

- مفهوم إعادة التنظيم: بناء التعلم يقتضي الفعل في موضوع التعلم، وذلك بإعادة هيكلته وتنظيمه.

- مفهوم الانتقال: لا يمكن التحقق من التعلم إلا عند ما يتم تعميمه على موافق مشابهة في البنية الأصلية، ومختلفة في أشكال التمظهر، حيث إن الاستبصار الحقيقي هو الذي ينتقل إلى المجالات المرتبطة والملائمة.

- مفهوم الدافعية الأصيلة: تعز يز التعلم يبغي أن يكون دافعا داخليا نابعا من الذات نفسها.

- الفهم والمعنى: تحقيق التعلم يقتضي الفهم العميق للعناصر والخصائص المشكلة لموضوع التعلم، وبالتالي الكشف عن المعنى الذي تنتظم فيه هذه المحددات، حيث الفهم هو كشف استبصاري لمعنى الجشطالت.

 

والتعلم في المنظور الجشطلتي:

 يرتبط بإدراك الكائن لذاته ولموقف التعلم، حيث إن إدراك حقيقة المجال وعناصره المكونة له، والانتقال من الغموض وانعدام المعنى إلى فهم مبادئ التنظيم والحصول على الوضوح والمعنى، ويعتبر النمط النموذجي للتعلم.

 

ولعل المثال الأبرز على مدى استفادة البيداغوجيا من النظرية الجشتالية يتجسد فيما يدعى بالطريقة الكلية في تدريس اللغة méthode globale وهي الطريقة التي ابتدعها البيداغوجي البلجيكي أوفيد ديكرولي O.Decroly.

 

فبالاعتماد على قوانين الإدراك كما وردت في النظرية الجشتالتية تمكن هذا الباحث من تصميم طريقة في التدريس جعل منها بديلا تعليميا للطريقة التجزيئية التي اعتادت المدرسة أن تقدم بواسطتها دروس القراءة والكتابة، ونعت التجزيئية يعني هنا أن تدريس اللغة ينطلق من البسيط إلى المركب، من الجزئي إلى العام.

وبعبارة أكثر وضوحا ينتقل من الحرف ثم الكلمة، ثم الجملة، فالنص. والواقع أن هذه الطريقة التجزيئية تنطوي على كثير من العيوب وفق ما يلاحظه ديكرولي، فهي تمكن المتعلم فعلا من معرفة الحرف أو الكلمة، ولكنه لا يعرف كيف تركب في السياق، بل وأحيانا لا يدرك العلاقات متعددة الأوجه التي يمكن أن توظف بها كلمة أو جملة ما.

 

ويمكننا تلخيص أهم مبادئ التعلم في النظرية الجشطالتية في:

اعتبار الاستبصار شرط التعلم الحقيقي، حيث إن بناء المعرفة واكتساب المهارة ليس إلا النتيجة المباشرة لإدراك الموقف واستبصاره؛ الفهم وتحقيق الاستبصار يفترض إعادة البنينة، وذلك بالفعل في موضوع التعلم من خلال تفكيكه وتحليله وإعادة بنائه؛ والتعلم  وفق الجشطلتيين يقترن بالنتائج، إذ حسب كوهلر النتائج ما هي سوى صيغ الضبط والتعديل والتقويم اللازمة للتعلم؛ الانتقال شرط التعلم الحقيقي، ذلك أن الحفظ والتطبيق الآلي للمعارف تعلم سلبي؛ الاستبصار حافز داخلي قوي، والتعزيز الخارجي عامل سلبي: الاستبصار تفاعل إيجابي مع موضوع التعلم.

 

* الطريقة الكلية Globale التي يقترحها ديكرولي فهي تمكن  لمتعلم من الانطلاق من العام إلى الجزئي، من السياق إلى العناصر أو الأجزاء.

 

 فالحرف يقدم في سياق الكلمة، والكلمة في سياق الجملة حيث يتخذ معناها ألوانا متعددة.

والجملة في سياق النص لأن هذا الأخير هو الذي يعطيها مكانا أو وظيفة خاصة وبذلك يتمكن المتعلم من اللغة تمكنا يمكنه من إدراك بنيتها وظائفها المتنوعة.

 

3- نظرية التعلم البنائية:   

تعتبر نظرية التعلم البنائية (أو التكوينية) من أهم النظريات التي أحدثت ثورة عميقة في الأدبيات التربوية الحديثة خصوصا مع جان بياجي، الذي حاول انطلاقا من دراساته المتميزة في علم النفس الطفل النمائي أن يمدنا بعدة مبادئ ومفاهيم معرفية علمية وحديثة طورت الممارسة التربوية.

 

- أن النظرية التكوينية تضع النمو كمحدد للتعلم وشرط لحدوثه، طبعا إذا توفرت الشروط البشرية والمادية المناسبة.

 

كما أنه طبق النتائج المعرفية لعلم النفس النمائي على مشروعه الابستيمي (الابستمولوجيا التكوينية)، ولمقاربة هذه النظرية البنائية في التعلم سننحاول أولا التعرف على أهم المفاهيم المركزية المؤطرة له، ثم أهم مبادئها ثانيا، وبعد ذلك سنتعرف على الأبعاد التطبيقية لهذه النظرية في حقل التربية.


*المفاهيم المركزية لنظرية التعلم البنائية:

 - مفهوم التكيف: التعلم هو تكيف عضوية الفرد مع معطيات وخصائص المحيط المادي والاجتماعي عن طريق استدماجها في مقولات وتحويلات وظيفية.

 - والتكيف هو غاية عملية الموازنة بين الجهاز العضوي ومختلف حالات الاضطراب واللاإنتظام الموضوعية أو المتوقعة والموجود في الواقع، وذلك من خلال آليتي الاستيعاب والتلاؤم.

- التلاؤم: هو تغيير في استجابات الذات بعد استيعاب معطيات الموقف أو الموضوع باتجاه تحقيق التوازن، وحيث إن الاستيعاب هو إدماج للموضوع في بنيات الذات، والملاءمة هي تلاؤم الذات مع معطيات الموضوع الخارجي.

- مفهوم الموازنة والضبط الذاتي: الضبط الذاتي هو نشاط الذات باتجاه تجاوزا الاضطراب والتوازن هو غاية اتساقه.

- مفهوم السيرورات الاجرائية: إن كل درجات التطور والتجريد في المعرفة وكل أشكال التكيف، تنمو في تلازم جدلي، وتتأسس كلها على قاعدة العمليات الإجرائية أي الأنشطة العملية الملموسة.

- مفهوم التمثل و- الوظيفة الرمزية: التمثل،عند بياجي، ما هو سوى الخريطة المعرفية التي يبنيها الفكر عن عالم الناس والأشياء. وذلك بواسطة الوظيفة الترميزية، كاللغة والتقليد المميز واللعب الرمزي ...

والرمز يتحدد برابط التشابه بين الدال والمدلول؛ والتمثل هو إعادة بناء الموضوع في الفكر بعد أن يكون غائبا.

- مفهوم خطاطات الفعل: الخطاطة هي نموذج سلوكي منظم يمكن استعماله استعمالا قصديا، وتتناسق الخطاطة مع خطاطات أخرى لتشكل أجزاء للفعل، ثم أنساقا جزيئة لسلوك معقد يسمى خطاطة كلية.

- وإن خطاطات الفعل تشكل، كتعلم أولي، ذكاء عمليا هاما، وهو منطلق الفعل العملي الذي يحكم الطور الحسي - الحركي من النمو الذهني.

 

* مبادئ التعلم في النظرية البنائية:                      

من أهم مبادئ التعلم في هذه النظرية نذكر:

- التعلم لا ينفصل عن التطور النمائي للعلاقة بين الذات والموضوع (لكل مرحلة خصائص وموارد وأدوات وأساليب...)

- التعلم يقترن باشتغال الذات على الموضوع، وليس باقتناء معارف عنه.

- الاستدلال شرط لبناء المفهوم، حيث المفهوم يربط العناصر والأشياء بعضها ببعض والخطاطة تجمع بين ما هو مشترك وبين الأفعال التي تجري في لحظات مختلفة.

 

* وعليه فإن المفهوم لا يبنى إلا على أساس استنتاجات استدلالية تستمد مادتها من خطاطات الفعل؛ والخطأ شرط التعلم، إذ أن الخطأ هو فرصة وموقف من خلال تجاوزه يتم بناء المعرفة التي نعتبرها صحيحة؛

- الفهم شرط ضروري للتعلم؛ والتعلم يقترن بالتجربة وليس بالتلقين؛ التعلم هو تجاوز ونفي للإضطراب.

 

* النظرية البنائية في حقل التربية:

حسب بياجي:

- التعلم هو شكل من أشكال التكيف من حيث هو توازن بين استيعاب الوقائع ضمن نشاط الذات وتلاؤم خطاطات الاستيعاب مع الوقائع والمعطيات التجريبية باستمرار.

- فالتعلم هو سيرورة استيعاب الوقائع ذهنيا والتلاؤم معها في نفس الوقت.

- كما أنه وحسب النظرية البنائية مادام الذكاء العملي الإجرائي يسبق عند الطفل الذكاء الصوري النظري، فإنه لا يمكن بيداغوجيا بناء المفاهيم والعلاقات والتصورات والمعلومات ومنطق القضايا إلا بعد تقعيد هذه البناءات على أسس الذكاء الإجرائي.

 

وعليه، وحسب بياجي، يجب تبني الضوابط التالية في عملنا التربوي والتعليمي:

* جعل المتعلم يكون المفاهيم ويضبط العلاقات بين الظواهر بدل استقبالها عن طريق التلقين ؛

* جعل المتعلم يكتسب السيرورات الإجرائية للمواضيع قبل بنائها رمزيا؛

* جعل المتعلم يضبط بالمحسوس الأجسام والعلاقات الرياضية، ثم الانتقال به إلى تجريدها عن طريق الاستدلال الاستنباطي؛

- يجب تنمية السيرورات الاستدلالية الفرضية الاستنباطية الرياضية بشكل يوازي تطور المراحل النمائية لسنوات التمدرس؛

- إكساب المتعلم مناهج وطرائق التعامل مع المشكلات واتجاه المعرفة الاستكشافية عوض الاستظهار؛

- تدريب المتعلم على التعامل مع الخطأ كخطوة في اتجاه المعرفة الصحيحة؛ اكتساب المتعلم الاقتناع بأهمية التكوين الذاتي.(سلسلة التكوين التربوي ع2/1995).


يمر منها النمو العقلي للفرد (نمو الذكاء بعبارة أخرى):

- في المرحلة الممتدة من الولادة إلى السنة الثانية:

نستطيع الحديث عن إمكانية " دعم " التعلم الحسي والحركي للرضيع، وذلك بوضعه في سياقات أو وضعيات " تعلمية "، تتضمن وسائل وأدوات يتوخى منها أن تعزز مختلف الأنشطة التنسيقية بين الحواس والحركات، أو بين الحركات نفسها، لما في ذلك من تـأثير إيجابي على مستوى تكوين الشيمات الحركية لديه Schèmes d’action ، وهي، حسب تعريف بياجي، نوع من الحركات المنسقة التي تختزن على مستوى الذاكرة الحسية الحركية، وتكون قابلة لأن يكررها الرضيع لمواجهة وضعيات متنوعة ومتشابهة في بعض العناصر.

 

كل الأنشطة التعليمية الخاصة بهذه المرحلة يجب أن تستهدف تعزيز ما يدعوه بياجي، بالذكاء الحسي - الحركي أو الذكاء العملي المعيش Vécu.

 

- أما المرحلة الممتدة من السنة الثانية إلى السنة السابعة أو الثامنة:

 وهي التي تصادف مرحلة الذكاء ما قبل العملياتي Préopératoire أو ما قبل المفاهيمي Préconceptuelle، فإنها تستدعي كافة التعلمات المبتعدة عن التجريد (وليس التخييل)، والمقتصرة على وفرة الأنشطة الحركية القابلة للتحويل إلى تمثيلات لفظية وصور ذهنية (بداية اللغة والتفكير لدى الطفل).

 

لا ننسى هنا، كما ينبه إلى ذلك بياجي، أن الطفل لا يقوى؛ في هذه المرحلة؛ على تكوين ما يدعى بالمفاهيم Concepts (وهي عبارة عن فئات  Classes مجردة تتكون من عناصر متشابهة على الأقل في خاصية واحدة، ويمكن أن يتعلق الأمر بأكثر من خاصية …).

 

 ولذلك فنحن، المربين، مدعوون إلى وضعه في إطار تعلمي من الأنشطة الحسية والحركية الـمصحوبة بالتعبير اللغوي الـمتنوع، وبالزيادة في حجم التبادل أو التداول التواصلي بين الأطفال، وفق أهداف تربوية مقصودة ومحددة.


- من السنة الثامنة إلى حوالي السنة الثانية عشرة من العمر:

 يدخل ذكاء الطفل مرحلة مفاهيمية وعملياتية، ولكن، مع الارتباط الدائم بالموضوعات الملموسة أو المحسوسة Concrets.

 

آنذاك يصبح الطفل قادرا على تكوين وفهم أو بناء العديد من المفاهيم الرياضية (العدد مثلا) والمنطقية (علاقات، فئات) والفيزيائية (الحجم، الوزن، الكتلة…) والهندسية (الطول، العرض ...)، وهذه القدرة الذهنية تحتاج، مدرسيا، إلى برامج وتقنيات وأساليب خاصة لتفسح المجال للمتعلم، للتعامل المباشر مع الأشياء والموضوعات، وتنظيم تأثيراته وحركاته المختلفة على هذه الأشياء، وفق استراتيجيات مخططة وهادفة، بحيث تسهل بناء المفاهيم العلمية المنشودة، وتجعل أمر ممارسة الأنشطة أو العمليات الذهنية الناشئة، أمرا ميسورا ومطابقا لطبيعة البناءات المعرفية المطروحة للتعلم.

 

- المرحلة الرابعة هي المرحلة التي يكتمل فيها النمو العقلي للفرد، وتنطلق من السنة الثانية عشر إلى مرحلة الرشد، ويقصد بالاكتمال هنا، بلوغ ذكاء الفرد إلى تنظيم مجموع العمليات الرياضية والمنطقية في سياق بنية كلية أو شاملة، حيث تتفاعل وتتناسق ويعتمد بعضها على بعض، وهذه البنية هي ما يطلق عليها بياجي اسم (I.N.C.R ) التي تعني الهوية Identité والنفي Négation والارتباطية  Corrélative والتبادلية Réciprocité.

 

نحن إذا، أمام فرد مراهق انفتحت أمامه آفاق ذهنية وعقلية هائلة، له استعداد، يتجاوز مجرد التعامل مع الملموس، بل يتعداه إلى معالجة الموضوعات المجردة، يمكنه الآن، مثلا، أن يضع مقدمات نظرية.

 

    ويستخلص منها نتائج ضرورية ومنطقية، كما يمكن أن يفترض عبارات معينة ويشيد عليها بناءات فكرية أو معرفية ما ...

 

باختصار يصبح الشخص متمكنا من ممارسة التفكير على التفكير ذاته، أي التفكير الفرضي - الاستنتاجي.

هذه القدرات الفكرية تحتاج، تعليميا، إلى مجال أرحب لكي يتم تحيينها. ومن ذلك استخدام أساليب تعليمية مفتوحة، ووضعيات تعليمية دالة ومثيرة للتساؤل والبحث، إضافة إلى وسائل تعليمية متنوعة ومتصلة بالموضوعات التعليمية المختلفة.

 

4- التصور المعرفي  للتعلم:

   تعتبر المدرسة المعرفية في علم النفس من بين أحدث المدارس المعرفية التي حاولت أن تتجاوز بالخصوص بعض مواطن الضغط في المدرسة البنائية والسلوكية على السواء.

 

    فإذا كانت السلوكية في نظرياتها حول التعلم ترى بأن التعلم هو تحويل سجل الاستجابات أو تغيير احتمالات إصدار استجابات هذا السجل تبعا لشروط معينة، حيث تحويل السلوك، المتمثل في تحسين الأداء واستقراره، لا يرجع إلى النضج النمائي، بل إلى فعل المحيط الخارجي وآثاره، والنمو ما هو إلا نتيجة آلية.

 

- وإذا كانت كذلك النظرية البنائية (التكوينية) مع بياجي ترى بأن النمو المعرفي هو عملية لبناء المعرفة يقوم فيها الطفل بدور نشيط من خلال تفاعله مع المحيط، لكن ما يحكم هذا النمو هي الميكانيزمات الداخلية للفرد، والتي لا تتأثر إلا في حدود نسبية جدا بالعوامل الخارجية، ويتحقق النمو عبر مراحل تدريجية متسلسلة وضرورية (النضج) في شكل بنيات معرفية أكثر فأكثر تجريدا، والتعلم يكون دائما تابعا للنمو،

 

فإن المدرسة المعرفية حاولت تجاوز كل:

 من التكوينية /البنائية والسلوكية في إشكالية أسبقية الذات (النضج) أو الموضوع في عملية التعلم وبناء المعارف.

 

ومن أهم المبادئ المؤطرة لنظرية هذه المدرسة في التعلم والنمو نجد:

تعويض السلوك بالمعرفة كموضوع لعلم النفس، إذ ثم تجاوز المفهوم الكلاسيكي لعلم النفس كعلم للسلوك، يركز على دراسة السلوك كأنشطة حسية حركية خارجية والتي يمكن ملاحظتها موضوعيا وقياسها في إطار نظرية المثيرو الاستجابة وإقصاء الحالات الذهنية الداخلية، حيث أخذت الدراسات السيكولوجية الحديثة على عاتقها دراسة الحالات الذهبية للفرد، فأصبحت المعرفة هي الظاهرة السيكولوجية بامتياز، لأنها خاصة بالذهن إما كنشاط (إنتاج المعرفة واستعمالها) وإما كحالة ( بنية المعرفة ) فأصبح موضوع على النفس هو المعرفة عوض السلوك، وحيث إن المعرفة هي تمثل ذهني ذات طبيعة رمزية، أي حدث داخلي لا يمكن معاينته مباشرة ، بل يمكن الاستدلال عليه واستنباطه من خلال السلوك الخارجي اللفظي أو الحس- حركي.

 

كما أنه من الأفكار الأساسية لهذه المدرسة، كون التفاعل بين الفرد والمحيط - خصوصا أثناء التعلم- هو تفاعل متبادل، إذ أن السيكولوجيا المعرفية هي سيكولوجيا تفاعلية بالأساس، لأنها تجمع بين بنية للذات وبنية للواقع في عملية معالجة المعلومات، يحول بموجبها الإنسان/الفرد المعطيات الخارجية إلى رموز وتمثلات ذهنية، حيث إن الذهن أو المعرفة تتغير بالمحيط ولمحيط يتغير بالمعرفة، حيت ليس هناك معارف بدون سياق واقعي تنتج وتستعمل فيه، وليس هناك محيط بدون معارف تنظمه وتعطيه معنى (تدخل الذات).

 

وعليه، فإن التعلم والنمو، حسب الإصطلاح الكلاسيكي لعلم النفس، أصبح مع المدرسة المعرفية يسمى باكتساب المعارف، ويتلخص مفهومها للتعلم في:

 

- التعلم هو تغير للمعارف عوض تغير السلوك، أي سيرورة داخلية تحدث في ذهن الفرد؛

- التعلم هو نشاط ذهني يفترض عمليات الإدراك والفهم والإستنباط ؛

- التعلم لا يكمن فقط في إضافة معارف جديدة (الكم) بل كذلك في تشكيلها وتنظيمها وتشكيلها في بنيات (الكيف) من قبيل: الفئة، الخطاطة، النموذج الذهني، النظرية ...

- التعلم يكون تابعا للمعارف السابقة، لأنها تحدد ما يمكن أن يتعلمه الفرد لا حقا؛ التعلم هو نتيجة التفاعل المتبادل بين الفرد والمحيط، حيث المعرفة تتكون وتبنى بفضل نشاط الذات ونتيجة لهذا النشاط.

(أحرشاو والزاهر2000).

 


5- النظرية السوسيوبنائيSocioconstructif

 

تبنى المعارف اجتماعيا  (Socialement construite) من طرف الإنسان ولفائدته.

 فالمرء يبني (Structure) وبكيفية نشيطة معارفه من خلال سياق قائم على التفاوض (Négociation) وإعطاء المعنى (Signification)، كما يرى أصحاب هذه النظرية بأن المتعلم لا يطور كفاياته إلا بمقارنة إنجازاته بإنجازات غيره، أي في إطار التفاعل مع الجماعة أو الأقران (Les Paires).

 

تعتبر سوسيو بنائية فيكوتسكي من أهم الأسس النظرية التي قامت عليها المقاربة بالكفايات - التي اعتمدها المغرب في بناء المناهج والبرامج التعليمية الحالية.

 

 وتصنف النظرية السوسيوبنائية ضمن نظريات التعلم المعرفية التي تعطي الأولوية للعمليات التي تجري داخل الإنسان كالتفكير واتخاذ القرار وحل المشاكل إلى جانب كل من النظرية الجشتلتية والنظرية البنائية ...

- التعلم  في هذه النظرية لا تحققه الذات بمفردها ولا يوجد داخلها، بل إن المعارف والمهارات والقدرات والخبرات موجودة في المحيط الخارجي. وعلى الطفل أن يتفاعل مع المحيط في إطار الأنشطة الفصلية.

-  الفرد المنعزل لا يمكنه الحصول على المعرفة مادامت البنيات المعرفية في الأصل عمليات اجتماعية والتي تتحول إلى عمليات سيكولوجية ذاتية وشخصية من خلال الفعل والمشاركة في نشاط الجماعة.

 

كما أنها تعتبر فرعا من البنائية (بياجي)، تتفق معها في تأكيدها على أن المتعلم هو صانع المعرفة وباني التعلم، وتختلف معها في كونها تولي أهمية أكبر لدور تفاعل المتعلم مع أقرانه ومعلمه في تسريع عملية النمو المعرفي.

 

يعني أن للتفاعلات الاجتماعية والأقران والاحتكاك والسياق الاجتماعي أهمية بالغة في الموضوع ...

وهي بحديثها عن دور المجتمع والراشد في عملية التعلم تكون قد شكلت تجاوزا وتطويرا للنظرية البنائية البياجوية.

 

يمكن اعتبار التيار السوسيوبنائي تيارا متمما أو شبه معارض لأعمال بياجي حول التعلم والنمو، فقد اتخذ هذا التيار من خلال بعض النظريات صيغة تتميم واستكمال للنظرية التكوينية مثل ما حدث مع بعض تلامذته وخاصة مع مونيي Mogny ودويز.

 

كما اكتسى مع بعض التصورات الأخرى طابعا شبه معارض لبياجي عن طريق تحويل إشكالية العلاقة بين النمو Développement والتعلم من سياقه المنطقي البياجاوي إلى سياق اجتماعي أرحب وأكثر قربا من الانتظارات المدرسية التربوية.

 

والأمر يتعلق هنا، بالأعمال التي اكتشفت مؤخرا للباحث البيلاروسي فيجوتسكي.

 

فالمعارف في المنظور السوسيوبنائي موطنة ومبثوثة في سياق اجتماعي وهو الضامن للتعلم والفهم والربط والمقارنة (...) والكفايات لا تتحدد إلا تبعا للوضعيات (والوضعيات ذات سياق اجتماعي بالضرورة).

 

وبناء على ذلك يصبح مفهوم الوضعية مفهوما مركزيا في التعلم:

ففي الوضعية يبني المتعلم معارف موطنة، وفيها يغيرها أو يدحضها، وفيها ينمي كفايات موطنة.

 

يتعلق الأمر هنا بحصيلة فحص حاسمة بالنسبة لنمو التعلمات المدرسية.

فالوضعيات التي يستطيع التلاميذ داخلها بناء معارفهم حولها، وتنمية كفاياتهم، لها دور حاسم في المنظور البنائي.

 

نعني بذلك:

لم يعد الأمر، إذن، يتعلق بتعليم مضامين معزولة مبتورة عن أي سياق (مثل مساحة منحرف، جمع الكسور، طرق الحساب الذهني، قاعدة نحوية، تصريف صنف من الأفعال... إلخ)، وإنما أصبح الأمر متعلقا بتحديد وضعيات يستطيع التلاميذ داخلها بناء معارفهم أو تعديلها أو دحضها، وتنمية كفاياتهم حول المضامين المدرسية.

 

كما لم يعد المضمون المدرسي غاية في ذاته، بل أصبح وسيلة لخدمة معالجة وضعيات تحتل نفس مرتبة الموارد الأخرى.

المقاربة السوسيوبنائية، تنطلق من ثلاثة أبعاد أساسية:

أ - البعد البنائي لسيرورة تملك المعارف وبنائها من قبل الذات العارفة.

ب- البعد التفاعلي لهذه السيرورة نفسها، حيث الذات تتفاعل مع موضوع معارفها، والمراد تعلمها.

ج- البعد الاجتماعي (السوسيولوجي) للمعارف والتعلمات حيث تتم في السياق المدرسي (وضعيات)، وتتعلق بمعارف مرموزة من قبل جماعة اجتماعية معينة.

 

وعليه فإن المقاربة السوسيوبنائية هي مقاربة بنائية تفاعلية اجتماعية

(فليب جونير)

 

المعارف من منظور سوسيوبنائي موطنة في سياق اجتماعي وفزيائي؛ والكفايات لا تتحدد إلا تبعا لوضعية معينة، ومن ثم فهي كذلك توجد ضمن سياق إجتماعي فزيائي، وعليه يصبح مفهوم الوضعية مركزيا في التعلم؛ ومهمة المدرس هي أساسا خلق وضعيات لتمكين المتعلم من بناء المعارف وتنمية الكفايات.

 

  ونستنتج مما سبق ان الكفايات لا يمكن أن تبنى من منظور سوسيوبنائي إلا داخل وضعيات معينة، وهذه الوضعية هي التي تسوغ صلاحية الكفاية، وتكون معيارا لها؛ وإذا كانت الوضعيات هي مصدر الكفايات ومعيارها، فهي أيضا مصدر المعارف ومعيارها.

 

إن التعلم عند "فيكوتسكي" يتحقق من خلال لحظتين حاسمتين:

 

* اللحظة الأولى:

- وتمثل زمن تدخل الراشد لإطلاق شرارة التعلم الذي يعجز التلميذ عن تدشينه بمفرده، فإذا اختار الراشد الوقت المناسب وكان فعله مناسبا، فإن الطفل يتمكن من الاشتغال منفردا بتوظيف مكتسباته.

 

*  اللحظة الثانية:

- وتسمى لحظة النمو المتمثلة في تدخل السيرورات الفردية الداخلية في عملية استبطان المقولات الاجتماعية، الثقافية والمهارات والمعارف لتستوعبها داخليا.

 

يميز "فيكوتسكي" بين مستويين من الذاكرة عند الأطفال:

 

* الذاكرة الطبيعية:

- وهي المشترك بين جميع الأطفال والأفراد قبل انخراطهم في النشاط الاجتماعي والثقافي سواء داخل المدرسة أو خارجها، لا تعتمد الوسائط الثقافية ما دامت لم تستضمر بعد مقولات الخارج، ولم تستدخل أية قيم أو معارف.

 

 

* الذاكرة ذات الوسائط العليا:

- أكثر تطورا من الأولى باعتبارها تنخرط ضمن الوظائف العقلية المتقدمة والمعتمدة على المقولات الثقافية المخزنة.

 

وتظهر عند الأطفال الذين تتاح لهم فرص التفاعل مع الراشدين المتمرسين، وخلال الأنشطة يكتشفون الوسائل التي تساعدهم على التذكر، فتتحقق الطفرة في النمو، وينتقل الطفل من الذاكرة الطبيعية إلى الذاكرة ذات الوسائط والمدعمة بالعناصر الثقافية المكتسبة.

 

      ومن ثمة فإن القدرة على التذكر تظل محدودة في غياب التفاعل مع ذوي الخبرة والكفاءة المتقدمة والقدرة العالية. وهنا يبرز الدور المركزي للراشد.

 

أكد (فيجوتسكي) على أن التطور المعرفي للأطفال يعتمد على الوسط الاجتماعي وليس مستقلا عنه وهذا الرأي يناقض رأي بياجيه (البنائية) الذي يؤكد على أن الطفل يصبح بالتدريج أقل تركيزا على الذات وأكثر اجتماعية.

 

 

 

 



[1] https://ar.wikipedia.org